بحث في ميراث الخنثى

 إعداد: امين عبد الرحمن 


تمهيد:

لقد خلقنا الله تعالى ذكوراً وإناثاً كما قال الله تعالى، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[1] وقال تعالى )لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ) [2] 

 إذ بين الله سبحانه وتعالى حكم كل واحد منهما ، ولم يبين حكم من هو ذكر ومن هو أنثى في وقت واحد ، وهذا دليل على أن الوصفان لا يجتمعان في شخص واحد ، إذ كيف يمكن ذلك وفيما بينهما مضادة، ولقد ميز سبحانه وتعالى بين الذكر والأنثى بعلامات مميزه جعل من السهل التمييز بين من هو ذكر ومن هو أنثى ، ومع ذلك فقد وقع الخلط والاشتباه فيما بينهما كما لو كان الشخص يحمل آلة الذكر وآلة الأنثى، أو انه لا يملك أي من الآلتين لذلك كان لابد من معرفة الحكم بالمسائل المتعلقة بالشخص الخنثى ومن بين هذه المسائل مسألة الميراث، وهو مجال بحثنا.

وفي الميراث تارة يكون للذكر مثل حظ الأنثيين كما لو ترك أب، أبناء ذكوراً وإناثاً وتارة أخرى تكون حصة كل منهما متساوية كما في ميراث ولد ألام وفي بعض الأحيان تكون حصة الوريث أكبر فيما لو كان ذكرا أو كان أنثى، أما فيما يخص رأي الفقهاء فانه لا خلاف بين الفقهاء في انه إذا لم يختلف الحال بذكورته وأنوثته، إذ تجري قسمه التركة حيث يأخذ كل وارث حصته كاملة، ولكن الاختلاف ظهر فيما لو اختلف ارث الشخص فيما لو كان ذكرا أو أنثى.

سيتم تناول الموضوع من خلال ثلاثة مطالب خصص المطلب الأول لدراسة ماهية الخنثى والمطلب الثاني لمذاهب الفقهاء في توريث الخنثى، أما المطلب الثالث سنتناول بالدرس ميراث الخنثى قانوناً.

ماهية الخنثى:

أولا: تعريف الخنثى

الخنثى لغة من الخنث وتعن اللين والتكسر والتثني وهو على وزن فعلى، وجمعه خناثى كحبلى حبالى وهو مأخوذ من الانخناث.[3]

وقال خنث فم السقاء إذا كسره إلى خارج وشرب منه، وقال أيضاً خنث الطعام، إذا اشتبه أمره فلم يخلص طعمه، وقال تخنث الرجل أي تثنى وتمايل وشابه كلامه كلام النساء نعومة ولين[4].

أما الخنثى اصطلاحا، فهو شخص له آلة الرجل وآلة المرأة أو لا يحمل أي منهما أصلا أو الذي له ذكر وفرج امرأة أو ثقب في مكان الفرج يخرج منه البول[5].

وعرف الخنثى أيضا بأنه هو من له فرج الذكر والأنثى وان علم انه ذكر أو أنثى ولو بمعونة الطرق العلمية الحديثة عمل به[6].

ويمكننا تعريف الخنثى بأنه الشخص الذي لا تعرف ذكورته أو أنوثته بصوره قاطعه.أو هو الشخص الذي اشتبه في أمره ولم تدر اذكر هو أم أنثى أو لان له ذكرا وفرجا معا أو انه لا شيء له منهما.

الخنثى المشكل

وهو الذي لم تظهر عليه علامات تلحقه بأحد الجنسين، ولذلك لأتعرف ذكورته من أنوثته، والواقع إن مشكلة الخنثى أصبحت مقدورا عليها بفضل تقدم الطب لذلك قال بعض الأطباء في ظاهرة الخنثى، إن للذكورة سبع درجات وللأنوثة سبع درجات، في كل أنثى سبع صفات معينه على مستوى معين من التركيب ولكل رجل أيضا سبع درجات، فإذا اختلت درجه أو اكثر سيحدث فيه شيءً من التناقض قد قل أو كثر, فإذا كان التناقض كاملا، نجد إنسان جسمه جسم أنثى وله ملمس الأنثى ومظهر الأنثى وله فرج الأنثى، ومع ذلك فان ترك به الكروموسوم )اكس واي( مثل الذكر، وهذا تناقض لان الجسم يأخذ شكل معين والتركيب الكروموسوم له شكل آخر، وهذا أحد أنواع الأنوثة، إذ أن هذا المخلوق يستطيع أن يتزاوج، وقادر على الحياة الزوجية ولكن لا يستطيع الحمل[7].

 وقد وجد بالمقابل رجل لا تنبت له لحيه، وقد تكون خصيتاه صغيرتين أو يكون كيس الصفن خال من الخصيتين لانهما ظلتا في البطن في مكانهما أيام كان جنينا, وقد تكون فتحة البول ليست في مقدمة الذكر بل ف قاعدته، وفي هذه الحالة لو خرج البول فأنه سوف يخرج من قاعدة الذكر مما جعل البعض يرى بان هذا المولود أنثى[8].

مذاهب الفقهاء في توريث الخنثى:

يرى الفقه أن الخنثى مادام مشكلا فانه على الأرجح لا يكون أبا ولا أما ولا جدا ولا جده ولازوجا ولا زوجه، ويكون ارثه محصورا في البنوة والاخوة والعمومة والولاء، وعندها يجري الخلاف في توريثه، فهل يعتبر ذكرا أم أنثى .

لقد اجمع الفقهاء على أن الخنثى يورث بحسب ما تظهر عليه من علامات مميزه، فمثلا إن بال من حيث يبول الرجل, ورث ميراث رجل، وان بال من حيث تبول الأنثى ورث ميراث الأنثى وذلك لان دلاله الذكوره والانوثه من أوضح الدلالات وأعمها لوجودها عند الصغير والكبير .

هناك اتفاق بين المذاهب على إن الخنثى يأخذ حصته إذا لم يختلف الحال بذكورته وانوثته ولكن ظهر الخلاف بين الفقهاء فيما لو اختلف ارثه وارث من معه باختلاف ذكورته وانوثته.

أولا: الفقه الحنفي

 عند أبى حنيفه يعطى الخنثى المشكل أقل النصيبين، و يعطى الورثة احسن النصيبين، في نظر إلى نصيبه إن كان ذكرا والى نص به إن كان أنثى، فيعطى

أيهما اقل، وان كان محروما على اقل التقديرين فلا شيءً له[9] .

أما الشيخ أبو يوسف فأنه قول للخنثى نصف ميراث الذكر ونصف ميراث الأنثى أي نصف كل حال ليصبح ثلاثة أرباع ابن ومثال ذلك لو مات شخص عن ابن وخنثى، فان الابن يأخذ أربعة أسهم ويأخذ الخنثى ثلاثة أسهم.[10]

ولبيان الحالة التي تكون فيها الذكورة شرا له (للخنثى) لو تركت امرأة زوجا وأختا لأب وأم وخنثى لأب، فأن جعل الخنثى ذكرا فانه لا يرث شيئا لان نصف الميراث للزوج والنصف الآخر للأخت لأب وألام، ولا بقى للأخ لأب شيئا، ولو جعل الخنثى أنثى كان للزوج النصف وللأخت لأب وألام النصف وللأخت لأب السدس تكملة الثلثين فتعول المسألة بسهم والقسمة من سبعه فعند أبى حنيفة ومحمد ) رحمهما الله)  جعل ذكرا ولا شيءً له في هذه الحالة[11].

ثانياً: المذهبي الحنبلي:

يختلف ميراث الخنثى حسب ما كان الوارث صغيراً أو بالغا وكما يأتي:

أ‌-         إذا كانصغيراً ويرجى كشف حاله في المستقبل، تعمل المسألة على انه ذكر، وعلى انه أنثى ويدفع إلى كل وارث اقل النصيبين ويحفظ الباقي حتى البلوغ.

ب‌-        إذا كان الخنثى المشكل بالغا، فانه يرث نصف -ميراث ذكر ونصف مراث أنثى.

 

ثالثاً:  مذهب المالكية:

يعطى الخنثى نصف نصيب ذكر ونصف نصيب أنثى، أي انه أخذ نصف حالة فرضه ذكرا ونصف حالة فرضه أنثى.

رابعاً: مذهب الشافعية:

إن لم يختلف ميراثه بالذكورة والأنوثة، كولد لام، فأنه يرث كامل حصته، وان اختلف أخذ في حق الخنثى ومن معه من الورثة باليقين، ووقف المشكوك فيه.

وان كان لا يرث على أحد تقديرين الذكورة والأنوثة دون الآخر لم يدفع إليه شيءً، ووقف ما يرثه على ذلك التقدير، وكذا من يرث معه على أحد التقديرين.

وان كان الخنثى يرث على التقديرين لكن يرث على أحدهما اقل، دفع إليه الأقل، وكذلك في حق من يرث معه على التقديرين ويحتفظ بالباقي إلى أن يتبين أمره[12].

 

مثال على توريث الخنثى المشكل:

مات شخص عن زوجه، أب، أم، ولد خنثى وسيكون الحل كما يأتي:

أولا: على فرض الذكورة:

زوجه

أب

أم

ابن

1 : 8

1 : 6

1 : 6

ع

3

4

4

13

ثانياً: على فرض الأنوثة:

زوجه

أب

أم

بنت

1 : 8

1 : 6 +ع

1 : 6

1 : 2

3

4 +1 =5

4

12

 

فيكون ميراث الخنثى كما يلي:

‌أ-              عند الحنفية تعطى الزوجة (3) الأم (4) الاب (5) الجنثى (12).

‌ب-          عند المالكية  يعطي نصف (13) أي ( 6.5) ونصف (12) أي (6) فيكون المجموع (12.5).

‌ج-           عند الشافعية تعطى الزوجة (3)، الأم (4) الاب (4)، الحنثى (12) ويحتفظ بالباقي وهو (1) الى ان يتبين أمر الخنثى.

عند الحنابلة:

1.      إن كان صغيرا ويرجى كشف حاله، فيعطى كما هو عند الشافعية .

2.      وان كان الخنثى المشكل بالغا، فيعطى كما هو - عند المالكيه .

ميراث الخنثى المشكل قانوناً:

لدراسة هذا الموضوع لابد من التعرف على كيفية معالجة بعض التشريعات العربية بصوره عامه والتشريع السعودي بصوره خاصة.

أولا: قانون الأحوال الشخصية السوداني:

حسنا فعل المشرع السوداني عندما نص على هذه المسألة في الفصل الخامس المتضمن مسائل متنوعه في المادة، على أن ) يكون للخنثى المشكل، اقل النصيبين على تقدير ذكورته وأنوثته( . وبذلك يكون القانون قد قطع الخلاف في مسألة الخنثى الغير مشكل الذي سيأخذ نصييه كاملا حسب ما حمل من أماره تدل على أنوثته أو ذكورته، أما الخنثى المشكل فسيأخذ أي النصيبين اقل فيما لو قدرت ذكورته أو أنوثته، وإذا حرم على اقل التقديرين فلا يكون له شيءً، أي إن التشريع السودان قد اخذ بالمذهب الحنفي في حكم هذه المسألة[13] .

ثانياً: قانون الأحوال الشخصية العماني:

لقد تناول هذا القانون مسألة الخنثى مباشرة من خلال المادة إذ نصت على إن )للخنثى المشكل، نصف النصيبين، على تقدير الذ كوره والأنوثة( وهذا عن إن التشريع العماني قد اخذ بالمذهب المالكي أو الراجح من المذهب الحنبلي, إذ يعطى الخنثى نصف تقدير حصته إذا كان ذكرا مضافا إليها نصف تقدير حصته إذا كان أنثى، أما فيما يتعلق بالخنثى الغير مشكل فأيضا سيكون

نصيبه حسب ما ظهر عليه من علامات تدل على الأنوثة، فيعطى حصة أنثى أو ما حمل من علامات الذكورة، فيعطى حصة ذكر[14] .

ثالثا: قانون الأحوال الشخصية الكويتي:

لقد عالج هذا القانون مسألة الخنثى من خلال المادة (334) منه والتي نصت على (للخنثى المشكل) وهو الذي لا يعرف اذكرا هو أم أنثى، أدنى الحالين وما بقي من التركه, يعطى لباقي الورثة،  يبدو إن المادة قد عرفت الخنثى المشكل بأنه الشخص الذي لا يحمل علامة الذكورة أو الأنوثة، أو هو الشخص الذي حمل العلامتين معا، لان هذا الأخير لا تعرف ذكورته من أنوثته أيضاً، وحددت المادة المذكورة نصيب الخنثى بأدنى الحالين، أي حال تقدير الذكورة وحال تقدير الأنوثة، وإذا كان حرم على أحد التقديرين، فأنه لا شيء له، وبذلك فأن قانون الأحوال الشخصية الكويتي قد اخذ بالمذهب الحنفي[15].

قانون الأحوال الشخصية السعودي:

لم يول القانون السعودي اهتماما لهذه المسألة، وإنما نص على الوراثة القرابة وكيفية توريثه كما جاء في الكتاب والسنة.

 

الاستنتاجات: -

1-    يقصد بالخنثى الشخص الذي يثير شكوك حول جنسه إذ ليس من السهل التعرف على علامات الذكورة والأنوثة فيه لاختلاطها فيما بينها وهي حالة موجودة في الشخص من أصل خلقته، وهذا يعني أن الشخص المتحول جنسيا يخرج عن مفهوم الخنثى.

2-     الخنثى على قسمين مشكل وغير مشكل، ويقصد بالأول، من كان جنسه غير واضح بسبب اختلاط علامات الذكورة والأنوثة، ومن ثم لا يمكن ترجيح صفة الذكورة أو الأنوثة، أما الثاني فهو من كان جنسه واضح، ومن ثم يمكن ترجيح صفة الذكورة أو الأنوثة.

3-     يوقف للخنثى المشكل على رأي فقهاء الحنفية أقل النصيبين على تقدير ذكورته أو أنوثته، أما فقهاء الشافعية فيوقفون للخنثى المشكل نصف نصيبه على تقدير ذكورته أو أنوثته، أما فقهاء الحنابلة فيقولون بأن الخنثى المشكل يوقف له أقل النصيبين على تقدير ذكورته أو أنوثته أذا كان صغيرا، أما اذا كان بالغاً فيوقفون له نصف نصيبة على تقدير ذكورته أو أنوثته وهذا هو القول الراجح.

 

المراجــــع: -

[1] سورة النساء الآية (1).

[2] سورة الشورى الآية (49)

[3] الفيرٌوز ابادي , محمد بن يعٌقوب , القاموس المحيطٌ , دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع , بيروت , 1995 م , ص 155

[4] فراج احمد حس" نظام الإرث في التشريعٌ الإسلامي ,دار الجامعة,الإسكندرية ،2003، ص316.

[5] الخطيب , محمد الشربيني , مغني المحتاج إلى معرفة  ألفاظ المنهاج , المكتبة الإسلامية ص114.

[6] السيد الخوئي ، منهاج الصالحين الجزء الثاني، ص313.

[7] .السباعي ، زهير احمد ، ورفيقة الطبيب ،أداربة وفقهة ، دار القلم والدار الشامية، 1993، ص324,

[8] السباعي، زهير احمد (مصدر سابق) ص324

[9] ابن عابدين   محمد امين ،  رد المحتار على الدار المختار ، شرح تنوير الابصار ، درا الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ، 1997، ص339.

[10] السرخسي محمد بن احمد بن سهل ، المبسوط ، دار الفقكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ، ص95.

[11] علاء عمر الجاف ، مصدر سابق ، 147.

[12] محمد بن الشربيني , مغني المحتاج، ج3 ،ص 29.

[13] - قانون الأحوال الشخصية السوداني رقم 43 لسنة.

[14] قانون الأحوال الشخصية لسلطنة عمان.

[15] قانون الأحوال الشخصية الكويتي رقم 51 لسنة 1948.



تعليقات

المشاركات الشائعة

مقارنة بين المواثيق الأخلاقية للأخصائيين الاجتماعية الميثاق الاخلاقي الامريكي والميثاق الاخلاقي البحريني

تجارب دولية في التقويم التربوي

منهج المسح الاجتماعي Social Survey Method:

المنهج التاريخي Historical Method

ممارسة العمل الاجتماعي المباشر

الخدمة الاجتماعية الاكلينيكية (الخطأ المهني - الوقت - اسلوب الحياة - التغيير والمقاومة - التعاقد والإنهاء)

منهج دراسة الحالة:Case Study Method