تجارب دولية في التقويم التربوي

 إعداد/ مها النعماني

التقويم التربوي

مقدمة:

حظى موضوع القياس والتقويم التربوي باهتمام كبير من علما التربية وعلم النفس والمؤسسات التربوية الخاصة بإعداد المعلمين الذين ساهموا مساهمة فاعلة في تطوير نظريات القياس والتقويم وتصميم الاختبارات النفسية والتربوية والاجتماعية، واهتمت بعض المؤسسات التربوية بفتح برامج دراسات عليا يتخصص فيها الطالب في هذا المجال.

وكون التعليم الركيزة الأساسية لتقدم وتطور الشعوب فقد أولت العديد من الدول جل اهتمامها بالتعليم وأتاحت الفرص لتنوع وتعدد أساليب التعليم بما يواكب متطلبات العصر. 

وقد أثبتت التجارب الميدانية أن المعيار الذي يقاس به تطور المجتمعات هو مستوى النجاح الذي تحققه في مجالات التربية والتعليم، فالعملية التعليمية شكل من أشكال تنظيم الحياة المدرسية، وجزء من الحركة الثقافية والحضارية للمجتمع، وهي تتطلب رؤية تربوية حديثة ونظاما تعليميا لا ينحصر في التحصيل المعرفي واستقبال المعلومات وتخزينها، بل يسعى إلى توظيف المعارف النظرية عمليا وتنمية قدرات التعلم والإبداع لدى المتعلم.

إن التطورات والأحداث الجديدة في العملية التعلمية اقتضت من المعلمين تحولاً كلياً وجذرياً في نظرتهم الضيقة لعملية تقويم تعلم الطلبة وتعليمهم، وأصبح المعلم وفقاً لهذه التطورات الجديدة، مطالباً باستخدام استراتيجيات وأدوات جديدة في تقويمه لتعلم وتعليم طلبته.

وانطلاقاً مما سبق فإننا سوف نقدم عرض تفصيلي لبعض التجارب الإقليمية والدولية في مجال التقويم التربوي.

تطور التقويم في الصين واليونان:

إن تاريخ التقويم في الحقيقة أطول بكثير مما يتصور البعض عندما يعيدون جذوره إلى مرحلة زمنية قريبة، إن مفهوم تقويم الأفراد والبرامج كان معروفاً منذُ حوالي (2000 سنة قبل الميلاد)، عندما كان الصينيون يستخدمون في نظامهم التعليمي امتحانات خاصة لاختيار الأفراد لبعض الوظائف المدنية العليا، وفي عصر النهضة اليونانية (500 ق.م) كان المعلمون ومنهم (سقراط) يستخدمون أساليب تقويميه شفوية كجزء مهم من عملية التعلم والتعليم، ويبدو أن أساليب التقويم الشفوية التي استخدمت في الماضي البعيد امتدت صلتها بأساليب التقويم وسادت القرنين الماضيين، عندما شهدت المدارس الرسمية التقليدية استخدام ما يسمى بطريقة ( التسميع الشفهي) التي كان الهدف منها تدريب التلاميذ على حفظ حقائق أو مقطوعات معينة وإعادتها من الذاكرة، لذلك أصبح من الطبيعي أن يلجأ المعلمون إلى التسميع الشفهي للتثبيت من مدى تحقق هذا الهدف، وبذلك أصبحت هذه الطريقة من الأساليب السائدة في تقويم الطلبة، ويعزي البعض شيوع هذا الأسلوب في التقويم إلى أن أهداف التعليم كانت بسيطة ومحدودة من جهة، وغياب المواد الكتابية التي لم تكن متيسرة دوماً كما هي اليوم من جهة أخرى، إضافة إلى أن استخدام المواد الكتابية كان صعباً ولم تشهد تبسيطاً لطرق استخدامها حتى عقود قريبة العهد نسبياً.

لقد تطور مفهوم التسميع الشفهي بعد ذلك ليعكس ظله على أسلوب مشابه لكنه مطور نوعاً ما، وهو أسلوب (الامتحانات الشفهية)، التي كانت حتى عهد قريب يعتمد عليها في تقويم الطلبة والتي كانت على السؤال والجواب، أو على نوع من الحوار بين الممتحن (المعلم) والطالب، وكما نشهده اليوم في مناقشات رسائل الماجستير والدكتوراه لنيل لقب علمي جامعي معين وهو تقليد نشأ عن التعليم في القرون الوسطى، ولا يزال الامتحان الشفهي العنصر المميز لأساليب التقويم التربوي في بعض بلدان العالم.

التقويم التربوي في أوروبا:

في أنحاء من أوروبا أنشئ في أوائل القرن التاسع عشر ما يشبه نظام الامتحان المركزي بهدف تحقيق المزيد من المساواة والعدالة في التقويم في فرنسا بقي هذا الامتحان شفهياً لمدة طويلة، ولم يتحول في إنجلترا إلى امتحان كتابي، حتى أواسط القرن التاسع عشر، وفي هذه الفترة أخذ المربون يدركون مساوئ الاعتماد الكلي على الامتحانات الشفهية وما يسمى بأسلوب التسميع الشفهي، وعندما بدأ الاهتمام باستخدام الاختبارات التحريرية( الكتابية) لأجل دعم نتائج الطرق المعتمدة على التسميع الشفهي، وزاد الإقبال من قبل المعلمين على استخدام الاختبار الكتابي بعد ازدياد وسهولة الحصول على المواد الكتابية المناسبة، وكانت هذه الاختبارات من النوع الذي يتكون من مجموعة من المسائل الرياضية أو الأسئلة التي تتطلب إجابات من نوع المقال.

إن ظهور الامتحانات التحريرية لم يؤدي إلى إلغاء أسلوب الامتحانات الشفهية من الأنظمة التعليمية، إذ أنها لا زالت تمثل أحد الأساليب التقويمية المستخدمة في تقويم سلوك الطالب من جوانب عديدة ولو أنها (الامتحانات الشفهية) أصبحت أقل انتشاراً أو قل الاعتماد عليها بسبب ظهور الاختبار الكتابي الذي أضاف إلى أسلوب التقويم أسلوباً آخر.

وفي نهاية القن التاسع عشر وبداية القرن العشرين شهد ميدان التقويم والاختبار تطوراً جديداً عندما ظهرت إلى الوجود ( اختبارات) الذكاء – Intelligence Test) على أثر الأبحاث التي قام بها بعض علماء النفس والتربية ومنهم العالم الفرنسي ( الفرد بينية Alfred Binet) عام 1905م والذي قيل عن اختباره أنه الاختبار الذي يتألف من (30 مشكلة) أو سؤالاً تتدرج في مستوى صعوبتها، لقد صممت أسئلة الاختبار لتغطي أنواعاً متعددة من الوظائف العقلية مع تأكيد خاص على الحكم، والاستيعاب، والاستدلال ، والتي اعتبرها (بينية) المكونات الأساسية للذكاء وقد طبق هذا المقياس في مرحلة تصميمه على بعض التلاميذ المتأخرين عقلياً وبعض الراشدين في المدارس الفرنسية.

التقويم في الولايات المتحدة الأمريكية:

في عام 1916 نُشرت في الولايات المتحدة الأمريكية صورة معدلة لاختبار الذكاء عرفت باسم (اختبار ستانفورد – بينية) نسبة إلى الجامعة التي كان يعمل فيها (تيرمان) وهو الذي طور هذا المقياس الفرنسي الأصل.

لقد كان اختبار ستانفورد- بينية المفتاح الذي فتح الباب للاختبارات الموضوعية لتظهر منه على العالم والتي لا زالت تستعمل في كثير من المدارس في الوقت الحاضر، ولا ينكر أن هذه الاختبارات ساهمت في تطوير طرائق التدريس التي يستخدمها المعلمون وأساليب التقويم الخاصة بطلبتهم عندما أضافت طرقاً أخرى في هذين المجالين، ولا بد لنا هنا أن نذكر أن اتساع حركة اختبارات الذكاء والاستعدادات في مطلع القرن العشرين رافقها أو تبعها نشوء حركة بناء (اختبارات التحصيل المقننة Standardized Achievement Test) واتساع مفهوم القياس والتقويم في التربية والتعليم بفضل جهود عدد من العلماء البارزين من أمثال " مان Man ورايز Rice زثورندايك Thorndike الذي يعتبر بحق الرائد الحقيقي للقياس والتقويم ويعود له الفضل في وضع أسس بناء الاختبارات الموضوعية وما تنج عن ذلك من انتشار هذه الاختبارات لقياس التغير الإنساني، وهنا ازدهرت حركة استخدام القياس لتحديد القابليات الإنسانية واقترن مفهوم التقويم بمفهوم القياس في التربية وعلم النفس.

إن تطور حركة القياس هذه شجعت المعلمين على بناء وتطوير اختبارات التحصيل التي أصبحت تشكل أساساً مهماً في نظام التقويم والقياس في المدراس.

ومن الجدير بالذكر أن حركة الاختبارات التحصيلية المقننة أثارت الحماس والاهتمام لدى المعلمين ودفعتهم إلى المغلاة في التشديد على استخدامها وإساءة تفسيرها حتى انهم راحوا يستخدمونها دون مراعاة للأهداف التي وضعت من أجلها، وأصبح إجراءها وكأنه غاية في حد ذاته، بل أن هذه الاختبارات استهوت الكثير منهم ودفعتهم إلى الاعتقاد بأنها المرحلة النهائية في تاريخ تطور أساليب التقويم والتركيز عليها وكأنها الطريقة الوحيدة الصالحة للاستخدام في تقويم تحصيل تلاميذهم.

وخلال العقد الرابع من القرن العشرين شهد ميدان التربية والتعليم تطورات جديدة أثرت في توسيع وتطوير مفهوم التقويم وتطبيقاته، إن كان على مستوى تقويم الكلبة أو تقويم البرامج والمشاريع التربوية، ومن هذه التورات ما قام به العالم الشهير(تايلور Tylor) من تطبيق لآرائه التربوية في مجالي المناهج والتقويم، لقد عمل تايلور قرابة الخمسة عشر سنة لتطوير أعماله ووجهة نظره، حتى توصل إلى أسلوب كان مغايراً لوجهات النظر المطروحة في تلك الفترة عندما ركز جهوده وآرائه في الأهداف التربوية، لقد حدد تايلور مفهوم التقويم كعملية تقرير أو تحديد لمدى تحقق أو عدم تحقق الأهداف التربوية التي عرفها بأنها: تغيرات مطلوب إحداثها لدى الطلبة.

لقد كان لأسلوب تايلور في التقويم تأثيراً كبيراً في تخطيط دراسات تقويمية للسنوات الثلاثين اللاحقة لظهوره ولا زالت حتى اليوم تؤثر في عملية التخطيط والتقويم لا سيما في مجال المناهج، كما اشتهرت حركة تايلور في الدراسة التي قام بها هو وسميث Smith ونشرت عام 1942 في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي سميت (دراسة الثمان سنوات) حيث صممت لاختبار مدى فعالية المناهج المستخدمة واستراتيجيات التدريس في عدد من مدارس الولايات المتحدة.

لقد ساعدت تلك الدراسة الرائدة تايلور لتوسيع واختبار وإظهار آرائه في التقويم التربوي، كما ساعدت على نمو استخدام وانتشار الاختبارات والمقاييس وقوائم التقدير والاستفتاءات على مدى واسع في ميدان التربية والتعليم.

لقد شهدت حركة التقويم على أثر أعمال تايلور وزملاؤه – تطوراً ملحوظاً لا سيما بما أحرز من تقدم نتيجة للجهود العلمية المنظمة لتحديد وتصنيف الأهداف التربوية والتي كان من أبرزها (تصنيف الأهداف المعرفية) الذي نشره بلوم عام 1956، (وتصنيف الأهداف الوجدانية) الذي نشره كراثهول عام 1968، بالإضافة إلى الجهود التي بذلها كل من ديف عام 1968، و هارو عام 1972 لتحديد الأهداف (النفس حركية).

لقد صاحب عملية تصنيف الأهداف محاولة جادة لصياغتها في عبارات سلوكية تحدد نتائج التعلم التي يمكن ملاحظتها وقياسها كتلك التي قام بها تايلور عام 1956، وميجر عام 1962، وجانييه عام 1963، وغيرهم.

ومن المؤشرات الأخرى لنمو حركة التقويم في القرن العشرين بروز حركة الاعتماد أو التصديق في التقويم التي رسخت أقدامها وتعاظمت آثارها في الميدان التربوي، وبرزت المؤسسات الخاصة بإجراء هذه المهمة  لاختبار مدى موثوقية المدارس والمعاهد والكليات والمؤسسات التعليمية الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية من خلال أساليب تقويمية تستخدمها مؤسسات الاعتماد لاختار فاعلية وصدق وجدارة تلك المؤسسات لتكون أهلاً للمهمة التي تقوم بها، وبذلك تنامى وتكور مفهوم التقويم التربوي ليخرج من مجاله الضيق الذي بدأه عندما أقتصر على تقويم تحصيل الطالب فقط إلى ميادين تربوية أوسع من ذلك، وبالإضافة إلى ذلك ظهرت أيضاُ وتنامت بعض المؤسسات الخاصة بتقديم خدمات التقويم والاختبار للمستفيدين أو المحتاجين إليها، ومن ذلك ما يسمى (خدمات الاختبار التربوي) و(مؤسسة كارنيجي) و(مجلس التربية الأمريكي) وغيرها من مؤسسات التقويم التي تقدم خدمات مرموقة في هذا المجال.

وفي فترة الخمسينات وأوائل الستينات من القرن الماضي ظهرت أنواع جديدة ومتحدثات تربوية خاصة بالمناهج، ومعها ظهرت الحاجة لوسائل تقويمية جديدة، وحاول العديد من المقومين استخدام نماذج تقويمية متنوعة.

وخلال العقدين السابع والثامن من القرن نفسه توسع مفهوم التقويم إلى مجالات عديدة مثل الإدارة والصناعة والجيش والاقتصاد والاجتماع وامتد في مجال التربية إلى معالجة أمور كثيرة منها ما يتعلق بالطالب، الكتاب المدرسي والمشاريع والخطط والبرامج التربوية، واشتهر في هذه الفترة مقومون أحدثوا الكثير من الجدل بما طرحوه في ميدان التقويم وما تركوه من تأثير كبير في مفهومه، ونذكر على سبيل المثال: كرونباخ Cronbach، وسكرفن Secrevine، و كوبا Guba، وغيرهم، كما تزايد ظهور العديد من المجلات التي تهتم بأمور التقويم والتي ساعدت في توضيح وتطوير مفهومه واستخداماته ومنها (مجلة القياس التربوي) و(مجلة التقويم التربوي وتحليل السياسة) و(مجلة دراسات في التقويم) و (مجلة التقويم وتخطيط البرامج) وغيرها.

لقد أصبح مفهوم التقويم يؤكد على استخدام أساليب تقويمية متنوعة تركز على واقع العملية التربوية وعناصرها المهمة من جهة، وما يوضع لها من أهداف محددة من جهة أخرى.

التقويم في الوطن العربي:

أما حركة التقويم في الوطن العربي فإنها لم تكن بعيدة عما كان حولها في بلدان العالم المتقدم، ولم تشهد نوعا من التطور الرسمي إلا في حدود الستينيات من القرن العشرين على الرغم من ومضات بسيطة حدثت في الثلاثينيات عندما توجه الاهتمام بالامتحانات واقتراح إدخال أساليب جديدة في أسس التقويم ومصادره، واعتماد البطاقة المدرسية والملف الشخصي للطالب لاسيما في مصر والعراق.

وكانت أول دراسة جدية للامتحانات في البلاد العربية تمت عام 1961م، عندما انعقد في بيروت مؤتمر تربوي ضم العديد من ممثلي الدول العربية حيث كان الهدف منه دراسة واقع الامتحانات المدرسية الغربية والخروج بتوصيات موحدة بهذا الشأن. تبع ذلك المؤتمر الثقافي العربي السادس الذي عقد في الجزائر عام 1964م، حيث تناول (دراسة نظم الامتحانات المدرسية ودورها في تقويم الطلاب وتوجيههم) وكذلك ( حلقة توحيد أنظمة الامتحانات والانتقال في المراحل الدراسية المختلفة) التي عقدت في القاهرة عام 1970م، و ( اجتماع خبراء تطوير نظم الامتحانات في البلاد العربية) الذي عقد في الكويت عام 1974م. لقد أكدت هذه الاجتماعات على جملة من التوصيات منها ضرورة شمول عملية التقويم جميع جوانب شخصية الطالب وتأكيدها على مسؤولية معلم الصف في إجراء تقويمات مستمرة لطلبته خلال العام الدراسي يكون لها دور في التقويم النهائي للطالب.

ومن الأمور الأخرى المهمة التي وردت في هذه التوصيات التأكد على وضع مجموعة من الاختبارات المقننة في المواضيع الدراسية المختلفة واستخدام أنواع من الاختبارات النفسية مثل اختبار الذكاء، والاستعداد والميول لتقويم جوانب معينة من شخصية الطالب، كما أكدت على ضرورة تدريب المعلمين على إعداد  الاختبارات التحصيلية والأساليب الحديثة في تقويم التلاميذ ومتابعتهم.

كما أكدت بعض البلدان العربية على وزارة التربية بضرورة الاهتمام بعملية تقويم الطلبة اهتماما واضحا من خلال استخدام المعلمين والمدرسية لأكثر من أسلوب لتقويم شخصية الطالب وتحصيله، ووضع برامج وخطط لتدريب المعلمين والمدرسية بغية اطلاعهم وتدريبهم على صياغة الأسئلة الامتحانية والتنوع في أساليب التقويم. وفي العراق نظمت الجمعية العراقية للعلوم التربوية والنفسية في آذار عام 1980م حلقة دراسية حول استخدام التقويم في المرحلة الثانوية تمت خلالها مناقشة عدة بحوث علمية حول استخدام الوسائل التقويمية في العملية التعليمية والبدائل المقترحة لتطويرها كي تحقق مستوى أفضل في الميدان التربوي بهدف الوصول إلى تقويم موضوعي عادل لمستوى الطلبة.

ومما تحقق في مجال التقويم في البلاد العربية ما تقوم به بعض تلك البلدان من استخدام بعض الخبراء في مجال التقويم والقياس بالتعاون مع منظمة اليونسكو وإنشاء مكاتب أو مؤسسات رسمية تابعة لوزارة التربية تتولى الإشراف على تنظيم عملية التقويم في المؤسسات التعليمية. كما ترسل الدول العربية العديد من البعثات والإجازات الدراسية إلى الدول المتقدمة للحصول على شهادات عليا في مجال التقويم والقياس التربوي وما ينتج عن ذلك من تطور في هذا الميدان عند عودة هؤلاء وما يقدمونه من أعمال تؤثر إيجابيا على نقل ما استجد من معطيات ونظريات حديثة في ميدان التقويم إلى بلدانهم.

 

تجربة سلطنة عمان:

شهدت نهاية القرن العشرين تطورات أكبر في مجال التقويم والقياس لا سيما بعد أن استخدمت التقنيات التربوية المتقدمة والحاسوب في مجالات عديدة ومنها المجال التربوي حيث أصبحت عمليات تحليل البيانات واستخدام الأساليب الإحصائية المتقدمة تجري عن طريق الحاسوب رغم كبر حجم العينات المستخدمة، مما أضاف عنصرا جديدا تمثل في إحداث نقلة نوعية في نظام تقويم تعلم الطلاب في مدارس العديد من الدول العربية كما تبنت بعض تلك الدول ومنها سلطنة عمان – على سبيل المثال- نظاما جديدا يتسم بالتنوع والاستمرارية والشمول يقوم على استخدام طرق وأدوات تقويمية متنوعة من بينها( نظام التقويم التكويني المستمر) في مدارس التعليم الأساسي ومجموعة من مدارس التعليم العام المطبقة لمشروع تطوير تقويم أداء الطلاب.

وتتم عملية التقويم التكويني المستمر في جميع المواد الدراسية، وتحسب العلامة الكلية للطالب في بعض المواد الدراسية ( التربية الإسلامية ، اللغة العربية، اللغة الإنجليزية، الدراسات الاجتماعية، العلوم، الرياضيات، المهارات الحياتية) وفق النسب الآتية:

(40 %) للاختبارات القصيرة بما لا يقل عن اختبارين في الفترة الواحدة ( حيث قسمت السنة الدراسية إلى أربع فترات).

(60 %) لأدوات التقويم التكويني المستمر. أما المواد المتبقية مثل ( الرياضة المدرسية، المهارات الموسيقية، الفنون التشكيلية، تقنية المعلومات) فتكون النسب كالآتي:

(20 %) للاختبارات القصيرة

(80 %) لأدوات التقويم التكويني المستمر.

ولضمان نجاح هذا الأسلوب من التقويم وتوثيق نتائجه تم تشكيل (لجنة متابعة التحصيل الدراسي) في كل مدرسة لمتابعة التلاميذ ضعاف التحصيل وذوي صعوبات التعلم، والتلاميذ المتفوقين والموهوبين واقتراح البرامج العلاجية والإثرائية المناسبة لهم. يضاف إلى ذلك إجراء آخر يقوم خلاله كل معلم بإعداد ملخص إنجاز لكل تلميذ في نهاية العام الدراسي يبين فيه جوان القوة والضعف في إنجاز التلميذ لكل مادة وتوضيح هذه الإنجازات ما يقدمه الطالب من أعمال كتابية أو فنية متنوعة ومدى إنجازه للأهداف المحددة في ملف واحد لكل مجال أو مادة يسمى ملف أعمال التلميذ أو الملف الوثائقي – portfo (lio) يطلع عليه ولي أمر الطالب في نهاية كل فترة دراسية مع تقارير الأداء وملاحظات المعلم الوصفية حول بعض الأعمال. كما تعد المدرسة ملفا لكل تلميذ (الملف التراكمي) في نهاية العام الدراسي يتضمن (ملخصا لإنجاز التلميذ في كل مادة، تقرير الأداء، المشاركات المتميزة للتلميذ، البيانات الثبوتي، تقرير الأخصائي الاجتماعي أو الطبيب إذا كان التلميذ يعاني من مشكلة اجتماعية أو صحية والبطاقة الشخصية للطالب المعد من قبل الوزارة، وأخيرا تقرير لجنة التحصيل الدراسي (إن كان التلميذ تحت المتابعة). أما التقديرات الكلية النهائية لتحديد مستوى تحصيل الطالب فتكون على النحو الآتي:

الدرجة

المؤشر

التقدير

90- 100

أ

ممتاز

80-89

ب

جيد جدا

65-79

ج

جيد

50-64

د

مقبول

49فأقل

ه

يحتاج إلى متابعة

وبما أن الدرجة الصغرى التي تمثل أدنى مستوى في الأداء هي ( 50) فإن الدرجة (49) تمثل مستوى الأداء الأقل من المستوى الأدنى وفي هذه الحالة لا يبقى التلميذ راسبا في صفه بل ينقل إلى صف أعلى من تقديم البرامج العلاجية له في ذلك الصف. أما إذا حصل على تقدير (ه) في مادتين أو أكثر فإن الأمر متروك إلى لجنة متابعة التحصيل الدراسي لتقرر انتقاله إلى الصف الأعلى أو إعادته في صفه مع وضع خطة علاجية تتناول جوانب الضعف وأسبابه وخطه العلاج المقترحة. ( وزارة التربية والتعليم – دائرة التقويم التربوي، 2008).

أما بالنسبة لطلاب المراحل الأخرى التي تبدأ من الصف الخامس وحتى الصف العاشر( تعليم أساسي أو تعليم عام) فوضع لها نظام تقويم خاص يختلف حسب المواد الدراسية التي قسمت إلى مجاميع خصصت فيها الاختبارات القصيرة (60 %) ولأدوات التقويم التكويني المستمر (40 %) فيما عدا المواد الرياضية والفنية خصصت لها (20 %) للاختبارات القصيرة، و (80 %) لأدوات التقويم التكويني المستمر. أما الصف الثاني عشر وهو الذي يمثل نهاية المراحل الدراسية قبل المرحلة الجامعية يتم تقويم أداء الطالب على النحو الآتي:

أولا: مواد المجموعة (أ) ما عدا ( الرياضة المدرسية والفنون التشكيلية) يتم تقويمها كالآتي:

(60 %) للاختبارات القصيرة والفصلية منها ( 15درجة) لكل من الاختبارين القصيرين و (30درجة) للاختبار الفصلي.

(40 %) أدوات التقويم الأخرى.

وقد تم تحديد خصائص الاختبارات القصيرة بأنها كتابية تؤدي بصورة فردية في وقت لا يتجاوز ( عشرين دقيقة) لكل اختبار. أما الاختبار الفصلي فيتم إعداده وفق المواصفات الاختبارية الخاصة بكل مادة دراسية وتقوم المدرسة بالإشراف على مستلزماته المادية من طباعة وإشراف وتصحيح وإرسالها إلى المنطقة التعليمية التي تنتمي إليها المدرسة.

أما بالنسبة لمواد تنمية المهارات الفردية ( الرياضة المدرسية والفنون التشكيلية فيتم تقويمها تقويما مستمرا على النحو الآتي:

-          (20 %) للاختبارات القصيرة، و (80 %) لأدوات التقويم المستمر. وهناك مواد دراسية تسمى مواد المجموعة (ب) يتم توزيع درجاتها على النحو الآتي:

-          (70 %) لامتحانات نهاية الفصل الدراسي التي يتم إعدادها وتصحيحها وإعلان نتائجها من قبل الوزارة.

-          (30 %) للتقويم التكوين المستمر.

ولقد جاء اهتمام وزارة التربية العمانية بالتقويم التكويني المستمر كأسلوب يهدف لتحسين العملية التعليمية من خلال التعرف على نواحي القوة والضعف ومدى تحقق الأهداف التربوية والاستفادة من التغذية الراجعة في تعديل المسار نحو تحقيق تلك الأهداف، وهذا الأسلوب يعتمد على الملاحظات اليومية، والأنشطة الصفية وغير الصفية والاختبارات القصيرة والفترية وهو تقويم مستمر ملازم للعملية التعليمية من بدايتها وحتى نهايتها. ( وزارة التربية والتعليم – دائرة التقويم التربوية، 2004). وما من شك بأن تعدد وسائل التقويم يؤدي إلى حكم أفضل لمستوى تحصيل الطالب، وهذا التوجه يتماشى مع توصيات الدراسات والمختصين في مجال القياس والتقويم مثل (kim and sunderman, 2005 perkins, 2005 Darling, 2006, Nitko, 2006, lee, 2007)

ولم تقتصر جهود التغيير والتطوير المتبعة في النظام التربوي لسلطنة عمان على الاهتمام بتقويم أداء الطالب بل امتدت إلى تقويم الأداء الإداري والمدرسي المؤسسي، من خلال تطبيق (مشروع تقويم الأداء المدرسي) الذي يركز على ثلاثة عناصر هي (التعلم والتعليم والإدارة المدرسية) باستخدام أدوات تقويم متنوعة كالملاحظات والمقابلات والاستبيانات والتحليل وغيرها، من أجل جمع أكبر ما يمكن من الأدلة للحكم على العناصر الثلاثة المذكورة آنفا وفق المعايير التي توضح لكل عنصر.

وتشير أدبيات وزارة التربية إلى أن هذا المشروع الذي يعتمد على تشخيص الوضع الحالي للأداء الفني والإداري في مدارس السلطنة من خلال إبراز جوانب القوة والضعف وتحديد الأولويات يهدف لتحقيق جملة من الأهداف لعل أبرزها، وضع نظام شامل لتقويم الأداء المدرسي بمجالاته المختلفة، وإعداد فرق مؤهلة للقيام بعملية تقويم الأداء المدرسي ومساعدة المدرسة على تطوير نظام ذاتي وفاعل لتقويم أدائها وتطويرهـ والتعرف على مدى تحقق أهداف سياسة التعليم بالسلطنة من خلال معرفة ما حققته المؤسسات التعليمية واستخدام نتائج التقويم في وضع وتطوير السياسات التعليمية ( وزارة التربية والتعليم – دائرة تطوير الأداء المدرسي، 2004)، وسلطنة عمان بذلك تنتهج نهج العديد من دول العالم التي تسعى لتطوير أداء مؤسساتها التعليمية.

ومن أجل تنفيذ عملية تقويم الأداء المدرسي وفق أسس علمية سليمة شكلت الوزارة لجان عدة منها لجان تقويم من الكادر المدرسي ويقوم بعملية التقويم الذاتي self Evaluation، ولجان أخرى يشارك فيها الجهاز الإداري والإشرافي التابع للوزارة ويقوم بعملية التقويم الخارجي External Evaluation وتم اختيار ثمان مدارس من كل منطقة تعليمية عدا مسندم والوسطى تم اختيار أربع مدارس لكل منها وبدأ بتطبيق هذا المشروع تجريبيا اعتبارا من السنة الدراسية 2003/ 2004 ولا زال مستمرا. ولا شك أن تمازج هذين النوعين من التقويم تؤديان وظيفة كبيرة لترصين النظام التعليمي، ولا بد من القول أن السلطنة تعتبر الرائدة الأولى في هذا الجانب بالنسبة للأقطار العربية الأخرى.


تعليقات

المشاركات الشائعة

مقارنة بين المواثيق الأخلاقية للأخصائيين الاجتماعية الميثاق الاخلاقي الامريكي والميثاق الاخلاقي البحريني

المنهج التاريخي Historical Method

الخدمة الاجتماعية الاكلينيكية (الخطأ المهني - الوقت - اسلوب الحياة - التغيير والمقاومة - التعاقد والإنهاء)

منهج المسح الاجتماعي Social Survey Method:

منهج دراسة الحالة:Case Study Method

المنهج التجريبي Experimental method:

منهج تحليل المضمون Content Analysis

ممارسة العمل الاجتماعي المباشر