منهج المسح الاجتماعي Social Survey Method:

 

منهج المسح الاجتماعي Social Survey Method:  



إذا تتبعنا نشأة وتاريخ استخدام المسح الاجتماعي، نجد أنه ليس منهجاً جديدا، فلقد
بدأت أهميته كأداة للبحث في علم الاجتماع قبل الحرب العالمية الثانية، ولكن استخدامه لم ينتشر انتشاراً واسعاً إلا مع تطور الآلات الحاسبة الإلكترونية فهذه الآلات تستطيع أن تنجز بسرعة عملية تصنيف وتحليل كميات هائلة من البيانات التي كان تحليلها وتصنيفها يمكن أن يستغرق شهوراً أو حت سنوات (الجوهري والخريجي، 2008، ص 126).

ويعتبر المنهج المسحي من أكثر المناهج استخداماً في البحوث العلمية لا سيما في بحوث الخدمة الاجتماعية، كما يستخدم مصطلح المسح الاجتماعي للإشارة إلى البحث الميداني الوصـفي الذي يتضمن بيانات كمية عن مشـكلة اجتماعية معينة أو ظاهرة محددة في أحد المجتمعات، ويعرف "موزر" المسح الاجتماعي بأنه منهج يتناول دراسـة الخصائص الديموجرافية والبيئـة الاجتماعيـة والأنشـطة والآراء والاتجاهات السـائدة في جماعة معينة (غيث، 1990،ص445).

ويرى هويتني أن المسح الاجتماعي هو "محاولة منظمة لتقرير وتحليل وتفسير الوضع الراهن لنظام اجتماعي أو جماعة أو بيئة معينة، وهو ينصب على الموقف الحاضر وليس على اللحظة الحاضرة، كما أنه يهدف إلى الوصول إلى بيانات يمكن تصنيفها وتفسيرها وتعميقها وذلك للاستفادة منها في المستقبل وخاصة في الأغراض العملية (حسن، 1977، 212)، وهناك من يعرف المسح الاجتماعي بانه: "منهج بحثي يهتم بدراسة الظواهر الاجتماعية في وقت معين ومجتمع معين للتوصل لبيانات يمكن تحليلها وتفسيرها للاستفادة من نتائجها في التعميم والأغراض العلمية مستقبلاً (أبو المعاطي، 2014، ص 181)، وكذلك يُعرف المنهج المسحي بانه "استخدام طريقة منظمة لتحليل وتفسير وتصوير أو تشخيص الوضع الراهن لمؤسسات المعلومات والمستفيدين منها وما يرتبط بهما" (عبد الهادي، 2003) أما التعريف الذي شمل أهمية وأهداف المسح الاجتماعي فهو تعريف يونج " ((Young,1947,p155 حيث عرف المسح الاجتماعي بأنه: " دراسة للجوانب المرضية للأوضاع الاجتماعية القائمة في منطقة جغرافية محددة، وهذه الأوضاع لها دلالة اجتماعية ويمكن قياسها ومقارنتها بأوضاع أخرى يمكن قبولها كنموذج، وذلك بقصد تقديم برامج إنشائية للإصلاح الاجتماعي.

وتتفق تعريفات المسح الاجتماعية فيما بينها على السمات التالية:

1.      الدراسة العلمية للظواهر الموجودة في جماعة معينة وفي مكان معين.

2.      ينصب على الوقت الحاضر حيث أنه يتناول أشياء موجودة بالفعل وقت إجراء المسح وليست ماضية.

3.      يتعلق بالجانب العملي ويحاول الكشف عن الأوضاع القائمة لمحاولة النهوض بها ووضع خطه أو برنامج للإصلاح الاجتماعي.

وبناء على ما سبق نستنتج أن منهج المسح الاجتماعي يميل إلى الواقعية لأنه يدرس الظاهرة كما هي في الواقع ويستخدم مختلف الأساليب المناسبة من كمية وكيفية للتعبير عن الظاهرة وتفسيرها من أجل التوصل إلى فهم وتحليل الظاهرة المبحوثة ويساعد في تحليل وتفسير أكثر للظاهرة والوقوف على دلالاتها.

أهمية المسح الاجتماعي:

ترجع أهمية استخدام منهج المسح الاجتماعي في بحوث الخدمة الاجتماعية لعدة عوامل حددها أبو المعاطي (2014، ص182) كما يلي:

1        يهتم المسح الاجتماعي بدراسة الظواهر والمشكلات الاجتماعية الموجودة في المجتمع من وجهة نظر العملاء المتأثرين بها ووجهة نظرهم في الحلول والإمكانيات التي يمكن استخدامها في مواجهة تلك المشكلات على أساس علمي بما يمكن أن يكون أساساً لتخطيط برامج ومشروعات اجتماعية يحتاجها المجتمع وتسهم في إشباع الاحتياجات ومواجهة المشكلات.

2        يساعد في التعرف على مدى فعالية البرامج والمشروعات الاجتماعية من وجهة نظر كم من المستفيدين، من تلك البرامج والقائمين على تقديمها والخبراء بغرض تحسين وتطوير وتعديل تلك البرامج بما يسهم في تحقيق الاهداف الوقائية والعلاجية والتنموية التي تستهدف البرامج تحقيقها.

3        يهدف منهج المسح الاجتماعي إلى الكشف عن معدل توزيع بعض الخصائص الاجتماعية للمبحوثين المستفيدين من البرامج الاجتماعية التي يتم تقييمها من حيث السن، النوع، المهنة، الحالة الزواجية، وكيفية ارتباط هذه الخصائص بأنماط سلوكية معينة أو اتجاهات معينة وتفسير تلك العلاقات بما يسهم في تحديد مدى ملائمته مه خصائص المستفيدين منها وتطويرها بما يتماشى مع تلك الخصائص لحقيق اكبر فائدة منها .

4        يساعد المسح الاجتماعي في جمع معلومات وبيانات عن قياس الرأي العام وتأثيرها في التنمية المجتمعية مما يكون له أثر في عمليات التخطيط القومي التي تهدف إلى إحداث التنمية الشاملة في المجتمع.

ويضيف أبو النصر إلى أنه عن طريق منهج المسح الاجتماعي يستطيع الباحث تجميع المعلومات عن هيكل معين لتوضيح ولدراسة الأوضاع والممارسات الموجودة بهدف الوصول إلى خطط أفضل لتحسين تلك الأوضاع القائمة بالهيكل الممسوح من خلال مقارنتها بمستويات ومعيار تم اختيارها مسبقا (ابو النصر، 2017، ص141).

 كما يشير كل من قنديلجي والسامرائي الى ان العديد من الدراسات دلت على أن طريقة المسح الاجتماعي أو الدراسة المسحية قد أثبتت جدارتها وفعاليتها لعدد من الموضوعات المعاصرة الهامة، مثل موضوعات السياسة التعليمة والاجتماعية والاقتصادية (قنديلجي والسامرائي، 2009، 190).

وبالتالي نرى بأن الخدمة الاجتماعية تعمل في أغلب مجالات الحياة فانة يستحيل تهميش دور وأهمية منهج المسح الاجتماعي الذي يساعد في الوصول إلى معرفة شاملة عن الإنسان وعلاقته ببيئته وبالأخرين والتعرف على احتياجاته ورغباته والمشاكل التي تواجهه والبحث عن الحلول المناسبة لها.

تصنيفات وأنواع المسح الاجتماعي:               

تم تصنيف أنواع المسح الاجتماعي من قبل العديد من الباحثين بناءً على معاير وارتباطات معينة، فقد حدد أبو المعاطي (2014) عدة تصنيفات للمسح الاجتماعي تبعاً لعدد من المعايير وارتباطاَ ببحوث الخدمة الاجتماعية وهي كما يلي:

1-     تصنيف المسوح على أساس مجال اهتمام الدراسة:

أ‌-        مسوح عامة: تعالج عدة أوجه أو أنواع من الظواهر والمشكلات الاجتماعية.

ب‌-   مسوح خاصة: تهتم بنواحي خاصة محددة من ظاهرة أو مشكلة معينة.

2-     تصنيف المسوح على أساس المجال البشري (حجم الجمهور المستهدف):

أ‌-        مسح شامل: يتناول جميع مفردات مجتمع الدراسة المستهدفين من البرنامج أو المشروع البحثي.

ب‌-   مسح بطريقة العينة: ويكتفى فيه بدراسة عدد محدد من الحالات كعينة من مجتمع الدراسة أو من المستفيدين من البرنامج.

3-     تصنيف المسوح على أساس المجال الزمني:

‌أ-       مسح اجتماعي قبلي: وهو الذي يتم قبل تنفيذ البرامج والمشروعات للوقوف على الواقع قبل بدء التنفيذ، وهو ما يعرف بالتقويم التمهيدي.

‌ب-   مسح اجتماعي دوري: وهو الذي يتم على فترات دورية أثناء تنفيذ البرامج والمشروعات للوقوف على مدى سلامة التنفيذ أو المعوقات التي تواجهه، وهو ما يعرف بتقويم البرامج أثناء تنفيذها.

‌ج-    النوع الثالث: مسح اجتماعي بعدي: وهو الذي يتم بعد الانتهاء من المشروعات والبرامج للوقوف على أثرها ومعرفة الواقع الجديد، وهو ما يعرف بالتقويم النهائي للبرنامج.

4-     تصنيف المسوح من حيث عمق المسح ( التعمق في الدراسة):

‌أ-       مسح اجتماعي وصفي: يركو على الوصف وهو ما يرتبط بوصف الظاهرة أو المشكلة موضوع البحث.

‌ب-   مسح اجتماعي تحليلي: يركز على تحليل وتفسير نتائج دراسة الظاهرة بإيجابياتها وسلبياتها.

‌ج-    مسح اجتماعي تفسيري: يركو على تفسير نتائج الظاهرة الاجتماعية خاصة العوامل التي أدت إلى تلك النتائج.

5-     تطيف المسوح من حيث المجال الذي تم التطبيق فيه:

‌أ-        مسوح المشكلات الاجتماعية.

‌ب-   مسوح السياسات التعليمية.

‌ج-    مسوح السوق.

‌د-      مسوح الرأي العام.

‌ه-     المسوح النفسية.

‌و-      مسوح المجتمعات المحلية.

كما حدد كل من قنديلجي والسامرائي (2009) تصنيفات وأنواع المنهج المسحي انطلاقاً من الوظيفة التي يؤديها هذا النوع وهي كالاتي:

-          المسح الوصفي: ويعتى بوصف الظاهرة وتحديدها وتبرير الظروف والممارسات أو التقييم والمقارنة

-          المسح الارتباطي: يدرس العلاقات الارتباطية بين المتغيرات

-          المسح التنبؤي: وهو المسح الذي يحاول وضع تنبؤات مستقبلية مبنية على حقائق الواقع الحالي.

-          المسح التطوري: وهو الذي يدرس أنماط ومراحل نمو أو تغيير الظاهرة عبر الزمن

وعلى الرغم من وجود عدة أنواع وتصنيفات لمنهج المح الاجتماعي إلا أنها تشترك في هدف واحد هو الحصول على معلومات من مجموعة من الأفراد بشكل مباشر.

خطوات المسح الاجتماعي في بوث الخدمة الاجتماعية:

يسير المسح الاجتماعي كطريقة من كرق البحث المستخدمة في دراسة الظواهر والمشكلات الاجتماعية في خطوات متعاقبة يمكن الإشارة اليها على النحو التالي:

1-     التخطيط للمسح: وتشكل هذه الخطوة القيام بالإجراءات التالية:

‌أ-        تحديد الهدف من المسح

‌ب-   تحديد النقاط الرئيسية والفرعية التي يستمل عليها المسح.

‌ج-    تحديد الميدان أو المجال الأساسي الذي سيقوم الباحث بمسحه.

‌د-      تحديد نوع المسح الذي سوف يقوم به الباحث حسب الأهداف المرسومة من الدراسة، من حيث كونه مسحاً عاماً أو مسحاً متخصصاً، أو كونه مسحاً شاملاً لجميع المستفيدين أو مسحاً بالعينة، أو مسحاً استطلاعياً كشفياً أو مسحاً وصفياً يهتم بوصف واقع الظاهرة أو مسحاً تفسيرياً يتخطى مجال الوصف الخارجي للواقع المبحوث إلى محاولة تفسيره بحثاً عن الأسباب المؤثرة والعلاقات الموجودة.

‌ه-     تحديد العينة التي سوف يجري عليا البحث.

‌و-      تدريب الباحثين الميدانيين ضماناً لصدق البيانات و موضوعيتها اذا كان الباحث سيستعين بآخرين.

2-     جمع البيانات من الميدان: وتتضمن هذه الخطوة القيام بالإجراءات التالية:

‌أ-        تهيئة مجتمع البحث من خلال عمل الاتصالات اللازمة بالمبحوثين الذين تم اختيارهم كمجال بشري للدراسة.

‌ب-   الإشراف على أعمال الباحثين أو جامعي البيانات.

‌ج-    المرجعة الميدانية لأداة جمع البيانات التي يتم جمعها يومياً حتى يمكن تلافي الأخطاء الميدانية.

3-     تفريغ البيانات وجدولتها: ويتم ذلك من خلال القيام بالإجراءات التالية:

‌أ-        مراجعة البيانات التي تم جمعها مكتبياً للتأكد من نها صحيحة وكاملة ومسجلة بطريقة منظمة يسهل تبويبها.

‌ب-   تصنيف البيانات بتقسيمها إلى مجموعات متجانسة خاصة في الأسئلة ذات النهاية المفتوحة حتى يمكن جدولتها بطريقة يمكن الاستفادة منها.

‌ج-    ترميز البيانات أي تحويل البيانات الوصفية إلى بيانات رقمية.

‌د-      مراجعة الترميز للتأكد من أنه صحيح ضماناَ لصدق وموضوعية النتائج.

‌ه-     الإشراف على عملية التصنيف الآلي في حال استخدام هذا النمط من التصنيف.

‌و-      جدولة البيانات الكمية وحساب النسب المئوية والمعاملات الإحصائية.

4-     تحليل البيانات وتفسيرها: وقد يتم تحليل البيانات كمياً أو كيفياً كما يلي:

أ‌-       التحليل الكمي: وهو ما يعرف بالتحليل الإحصائي باستخدام المعاملات الإحصائية المناسبة، إلى جانب تفسير العلاقات متعددة الأبعاد واستنتاج بعض الدلائل والتفسيرات التي تتطلبها عملية التحصيل والتفسير.

ب‌-   التحليل الكيفي: وهو إعطاء فقري منطقي، خاصة في الموضوعات التي لا يصلح معها التحليل الكمي كموضوعات التفاعل.

5-     عرض النتائج وكتابة التقرير:

بعد أن تنتهي عملية التحليل للبيانات التي تم الحصول عليها عند تقويم البرنامج فإنه من الضروري أن يقوم الباحث بتسجيل النتائج بصرف النظر عما إذا كانت تحقق الأهداف التي حددها من البداية أم لا ومن واجبه أيضأ أن يقرر ما اذا كانت الفروق التي حصل عليها بين معاملات الارتباط الحسابية أو النسب المئوية وغيرها من المعاملات التي استخدمها ذات دلالة إحصائية أم لا (أبو المعاطي، 2014، ص185-187).

حدود منهج المسح الاجتماعي:

على الرغم من الفوائد الجمه لهذا المنهج، والتي اتضحت مما ذكرناها سابقاً، إلا ان المسح الاجتماعي محدود في مدى الاعتماد لعدة أسباب ومنها:

·     يتطلب منهج المسح الاجتماعي توجيه عدد كبير من الأسئلة للمبحوثين، وقد يؤدي ذلك إلى شعورهم بالممل وعدم تعاونهم مع الباحثين. وفي حال الاقتصار على عدد محدود من الأسئلة، سيساهم ذلك في قصور البيانات التي تم الحصول عليها وعدم القدرة على تغطية الموضوع المراد دراسته.

·     تتوقف أهمية المسح على حجم عينة الدراسة، فإذا كانت العينة صغيرة يعوق ذلك إمكانية الاعتماد على النتائج وتعميمها.

·     أحد العيوب الرئيسية التي يعاني منها المسح الاجتماعي أنه يهتم بنطاق البحث أكثر من اهتمامه بالعمق في دراسته وهذا هو السبب الذي يجعل من الأهمية بمكان إجراء مقابلات متعمقة عن البيانات المطلوبة في البحث، وذلك قبل الذهاب إلى الميدان باستمارة مقابلة مسحية مقننة (الجوهري والخريجي، 2008، ص 126).

تعليقات

المشاركات الشائعة

تجارب دولية في التقويم التربوي

مقارنة بين المواثيق الأخلاقية للأخصائيين الاجتماعية الميثاق الاخلاقي الامريكي والميثاق الاخلاقي البحريني

المنهج التاريخي Historical Method

الخدمة الاجتماعية الاكلينيكية (الخطأ المهني - الوقت - اسلوب الحياة - التغيير والمقاومة - التعاقد والإنهاء)

منهج دراسة الحالة:Case Study Method

المنهج التجريبي Experimental method:

منهج تحليل المضمون Content Analysis

ممارسة العمل الاجتماعي المباشر