منهج دراسة الحالة:Case Study Method




تعتبر دراسة الحالة أحد المناهج الفعالة في الدراسات الوصفية والتقويمية والسببية خاصة عندما يركز الباحث في دراسة وحدة من الوحدات بشكل أكثر عمقاً (ابو المعاطي، 2014، 190).

ويختلف علماء المناهج في تحديد دراسة الحالة، هل هي منهج ضمن مناهج البحث العلمي، أم يمكن اعتبارها إحدى أدوات جمع البيانات، ويرجع هذا الاختلاف إلى عدم التمييز بين دراسة الحالة كطريقة في التدريس ودراسة الحالة كمنهج، ففي حين تطمح الأولى إلى توضيح نقطة ما، أو إبراز عنصر مهم في التعليم، تهدف الثانية إلى فهم ظاهرة معينة، بالرغم من ذلك تبقى طريقة التدريس مستمدة من المنهج (Gagno, 2012).

يرجع استخدام منهج دراسة الحالة على أسس علمية إلى النصف الأول من القرن التاسع عشر على يد لي بلاي او لوبلي في دراسته للأسر العاملة في فرنسا. كما يعد عام ١٩١٥ نقطة تحول بالنسبة لهذا المنهج، وذلك عندما نشر ويليام هيلي كتابة "الاحداث الجانحين" بعد ان درس عدداً من الأحداث دراسة متعمقة باستخدام منهج دراسة الحالة، وبذلك أصبح رائداً من رواد هذا المنهج في الولايات المتحدة الأمريكية (بدر،١٩٨٢، ص٣٠٦).

يطلق على منهج دراسة الحالة في الفرنسية (المنهج المونوجرافي). والمونجرافيا تعني "وصف موضوع مفرد باستفاضة"، أي القيام بدراسة وحدة معينه مثل مجتمع محلي أو أسرة أو قبيلة دراسة مفصلة مستفيضة للكشف عن جوانبها المتعددة والوصول إلى تعميمات تنطبق على غيرها من الوحدات المتشابهة (حسن،١٩٨٢، ص٢٤٠). كما يعرف بأنه: " منهج من مناهج البحث الاجتماعي عن طريقة يمكن جمع البيانات ودراستها، بحيث يمكن رسم صورة كلية لوحدة معينة في علاقتها المتنوعة وأوضاعها الثقافية، ويمكن ان تكون الوحدة موضوع الدراسة فرداً أو جماعة أو نظاماً اجتماعياً أو مجتمعاً"(المسيري والجندي، ٢٠١٩، ص ١٧٥).

ويعرف منهج دراسة الحال بانه " المنهج الذي يتجه إلى جمع بيانات علمية متعلقة بوحدة معينة كحالة، وقد تكون هذه الوحدة فرداُ أو أسرة أو مؤسسة أو مجتمعاً محلياً أو قومياً على أساس التعمق في دراسة مرحلة معينة من تاريخ الوحدة أو دراسة جميع المراحل التي مرت بها بقصد الوصول الى تعميمات علمية متعلقة بالحالة المدروسة وبغيرها من الحالات المشابهة (ابو المعاطي، 2014، 190).

وفي ضوء التعريفات السابقة لمنهج دراسة الحالة، يمكن تحديد استخدامات هذا المنهج وتتحدد فيما يلي (نوري، ٢٠٠٧،ص٦١):

                     1.      عندما يريد الباحث ان يدرس المواقف المختلفة دراسة تفصيلية في مجالها الاجتماعي والايكولوجي والثقافي (أي كل محتويات الثقافة من عادات وتقاليد وقيم وافكار واتجاهات سائدة).

                     2.      حينما يريد الباحث ان يدرس التطور التاريخي للوحدة التي يتم دراستها.

                     3.      حين يريد الباحث ان يسبر غور الحياة الداخلية لفرد أو افراداً معينين بدراسة حاجاتهم الاجتماعية واهتماماتهم ودوافعهم.

                     4.      عند رغبة الباحث في الحصول على حقائق متعلقة بالظروف المحيطة بموقف معين، ومعرفة العوامل المتشابكة التي يمكن الاستناد إليها في وصف العمليات التي تنشأ بين الأفراد أو الجماعات والمجتمعات نتيجة عملية التفاعل بينهم.

أهمية منهج دراسة الحالة:

يرى أبو المعاطي (2014) أن أهمية استخدام منهج دراسة الحالة ترجع في انه يفيد في تحقيق عدة أهداف من أهمها:

1-     يساعد الأكاديميين والممارسين في الخدمة الاجتماعية في دراسة التاريخ التطوري لحالة معينة أو الوقوف على فترة معينة من تاريخ حياتها.

2-     يساعد في تحليل العمليات الاجتماعية التي تتم بين الأفراد وما يقوم بينهم من تفاعل ومن أهمها عمليات التعاون، والتنافس بغرض الوصول إلى مسبباتها في الماضي والحاضر.

3-     يساعد الأخصائيين الاجتماعيين في البحث العلمي أثناء تعاملهم مع وحدة العمل الهني سواء كانت الحالة فرداً أو جماعة أو مجتمعاً جغرافياً أو وظيفياً بهدف الوقوف على خصائص الوحدة المدروسة.

ومن أهمية منهج دراسة الحالة أنه يعمل على تقديم معلومات يمكن الاستفادة منها في تحقيق الإصلاح الاجتماعي أو الاقتصادي أو التعليمي أو السياسي أو الصحي (أبو النصر، 2017، ص143).

اختيار الحالات للدراسة:

يوحى إلينا مصطلح "دراسة الحالة" عادة بأننا بصدد دراسة حالة واحدة فقط، ولكننا لو تأملنا الطريقة وكيفية أدائها لتبينا أن الجماعات والمؤسسات، بل المجتمعات المحلية يمكن أن تكون هي الأخرى موضوعًا للدراسة بطريقة دراسة الحالة، أو يمكن بعبارة أخرى أن تكون "حالة الدراسة" (الجوهري والخريجي، 2008، ص 160).

ويصف مايكل باتون ((Patton,  2001 الإجراءات التي يستخدمها الباحثون في دراسة الحالة لاختيار الحالة باعتبارها معاينة غرضية، والهدف من المعاينة الغرضية اختيار أفراد لدراسة الحالة يتميزون بثرائهم المعرفي بالنسبة لأغراض الباحثين، ولذلك بدلا من إنفاق الوقت مع جميع الأفراد في الميدان يختار الباحثون في دراسة الحالة عادة عددا قليلا من الأفراد العارفين، وهؤلاء أفراد لديهم معلومات أو معارف خاصة تجعل منهم أفرادا مهمين على الوجه الخصوص في الحصول على وجهة نظر المشاركين.

وهناك قاعدة يتحتم على من يستخدم هذه الطريقة أن يراعيها، كما هو الحال بالنسبة لكل من يستخدم طرق البحث الأخرى، وهي ضرورة أن يكون انتقائيًا في المادة التي يجمعها. والمعيار الأساسي في عملية الانتقاء هذه يتوقف على مدى ارتباط المعلومة بمشكلة البحث التي تدور حولها الدراسة ذلك أنه من الأمور المستحيلة استحالة تامة أن يكوّن الباحث صورة كاملة عن الشخص موضوع دراسة الحالة، يعرف كل ما فعله، وكل ما أكله، وأحس به، وكل شخص تعامل وتفاعل معه، كما أنه يستحيل بنفس القدر أن يلاحظ الباحث ويسجل كل ما يحدث في موقف معين، ولذلك يعمد كل مستخدم لطريقة دراسة الحالة إلى اختيار جوانب معينة من الكم الهائل من الوقائع والمعلومات التي تقع تحت يده أو يتاح له معرفتها، وتكون عادة هي تلك الجوانب ذات الأهمية الجوهرية لخدمة أغراض بحثه المحددة (الجوهري والخريجي، 2008، ص 160).

وبناءَ عليه نستنتج أن الحالة قد تشمل (شخصيات طبيعية) فردأ أو مجموعة من الأفراد أو مجتمع، أو (شخصيات اعتبارية) مؤسسة أو مخطوطات أو منطقة جغرافية إلا انه عند اختيار الحالة يجب أن تتوفر فيها خصائص معرفية غزيرة، تؤدي في النهاية إلى نتائج ذو قابلية للتعميم.

السمات المميزة لمنهج دراسة الحالة:

من أهم السمات التي تميز منهج دراسة الحالة عن غيره من المناهج البحثية ما يلي:

1-     دراسة الحالة خاصة: بمعنى أنها تركز على موقف معين أو حدث أو برنامج أو ظاهرة، مما يجعل من دراسة الحالة منهجاً جيداً لدراسة مشاكل الحياة الحقيقية والتعرف عليها كأساس لتخطيط البرامج الاجتماعية التي يمكن أن تسهم في مواجهة تلك المشكلات.

2-     دراسة الحالة وصفية: حيث تهدف في نهاية الأمر إلى وصف موضوع معين تتم دراسته واكتشاف معنى وجوانب جديدة للظاهرة التي يقوم الباحث بدراستها للتوصل لعلاقات جديدة وليس اختيار ما هو موجود.

3-     طرقة بحثية تهتم بالموقف الكلي: وبمختلف العوامل المؤثرة فيه والعمليات التي يشهدها وتتصف بالعمق في دراسة الموقف أكثر مما تتجه نحو الاتساع.

4-     يعتمد منهج دراسة الحالة على اكثر من أداة: بهدف الحصول على البيانات سعياً وراء تكامل المعرفة حيث يتسم بالمرونة في استخدام أي أداة من أدوات جمع البيانات.

5-     إنها طريقة للتحليل الكيفي: حيث يمكن من خلال استخدامها القيام بالتحليل الكيفي للظواهر والحالات التي يتم دراستها ( ابو المعاطي، 2014، ص191-192).

ومن السمات المميزة الأخرى لطريقة دراسة الحالة أنها تتيح للباحث فرصة جمع بيانات مفصلة عن حالات قليلة، حيث أنها لا تركز على دراسة مجموعات أو عينات كبيرة العدد، ويفيد ذلك أعظم الفائدة عندما يكون الباحث بصدد دراسة موضوع أو ظاهرة لا يعرف عنها الشيء الكثير(الجوهري والخريجي، 2008، ص 163).

خصائص منهج دراسة الحالة:

لمنهج دراسة الحالة العديد من الخصائص ذكرها عدد من الباحثين مثل عمار (2019) والطيب وآخرون (2005) وجلبي (2012) وغيرهم وهي كما يلي:

-      يتصف منهج دراسة الحالة بالتعمق في دراسة الوحدات وعدم الاكتفاء بالوصف الخارجي لها، فهو يهدف إلى تحديد مختلف العوامل التي تؤثر في الوحدة المدروسة، ويتعمق في فهم الخصائص والسمات المميزة لكل جانب من جوانب الحالة المدروسة عن طريق جمع المعلومات المتباينة حول هذه الجوانب من مختلف المصادر ثم يحاول ترتيبها وتنسيقها وتنظيمها بما يساعد في تقديم صورة تكون متكاملة عن هذه الحالة موضوع البحث (جلبي، 2012، ص216).

-      يعتبر طريقة تتبعيه، حيث انه يعتمد اعتماداً كبيراً على عنصر الزمن، فهو يهتم بالدراسة التاريخية. وهذا ما يجعله منهجاً ديناميكاً لا يقتصر على بحث الحالة الراهنة (عمار، 2019، ص137).

-      يتيح استخدام منج دراسة الحالة فرصة جمع بيانات مفصلة عن حالات قليلة، حيث انها لا تركز على دراسة مجموعات أو عينات كبيرة العدد (ابو المعاطي، 2014، ص193).

-      منهج دراسة الحالة يتصف بالمرونة أكثر مما يتصف بالجمود، لان هذه الطريقة تسمح للباحث بان يطور ويعدل خطة بحثه وحتى فروضه وتصوراته نتيجة لما توفره من زيادة التبصير والتعمق لموضوع البحث(جلبي، 2012، ص216).

-      تتضمن دراسة الحالة جمع كمية كبيرة من البيانات عن الحالة أو الحالات موضوع الدراسة والتي تختار لتمثيل الظاهرة وهذه البيانات هي عبارات لفظية أو صور أو أشياء مادية، ومن الممكن كذلك جمع بعض البيانات الكمية وتجمع البيانات عادة على مدى فترة زمنية طويلة باستخدام عدة طرق لجمع البيانات(Gall, & Borg, 2005)

خطوات منهج دراسة الحالة:

يستند منهج دراسة الحالة إلى مجموعة من الخطوات كما حددها (شلبي، 1997، ص90) يمكن ترتيبها في عدة مراحل:

-          المرحلة الأولى: وهي مرحلة تحضيرية يتم فيها التأكد من مدى ملاءمة منهج دراسة الحالة مع موضوع البحث وتشمل هذه المرحلة صياغة أولية لمشكلة البحث، وإذا ما كانت تستند إلى مبادئ نظرية التعرف على المقاربة التي سيتم تبنيها من قبل الباحث (، والتأكد إذا ما كانت الإشكالية من النوع الاستكشافي أو التجريبي.

-          المرحلة الثانية: مرحلة اختيار العينة الممثلة للحالة التي يقوم بدراستها والتي يجب أن تعبر تعبيرا فعليا على مجتمع الدراسة، فالتعرف الجيد على وسط الدراسة وتفاعلاته وديناميكياته، والتأكد من عدم تحيز الباحث عند اختياره للعينة كاقتصاره عند دراسة جودة الخدمات في المؤسسات الخاصة على فئة المستهلكين، وإهمال فئة العمال والموظفين، أو عند دراسة حالة المستشفيات أو الجامعات أو المدارس، أو الطلاب الخ، ولابد من أخد عدد أكبر من الحالات المطلوب

-          المرحلة الثالثة: جمع البيانات والمعلومات، ويقتضي ذلك مراعاة مجموعة من الشروط كتحديد الطريقة أو الطرق المناسبة لجمع المعلومات (الملاحظة بالمشاركة، المقابلة، الاستبانة، الخرائط، الوثائق (والاستعانة بمجموعة من الباحثين قصد ضمان الموضوعية والابتعاد عن الذاتية، وتدريبهم، أو الحصول على القبول من قبل الأوساط التي تجرى عليها الملاحظة، وخلق جو من الثقة بين المشاركين في العملية.

-          المرحلة الرابعة: استخلاص النتائج وتعميمها. إيجاد اقتراحات تفسيرية والتأكد من مدى مطبقاتها مع المعطيات، ومقارنتها مع الأدبيات والنظريات الموجودة، استخدام الفوارق من أجل المساهمة في إعادة بناء نظريات جديدة.

فيما حدد (عبيدات وعدس وعبد الحق، 1984، ص218) خطوات دراسة الحالة فيما يلي:

1        تحديد الحالة: وقد تكون فرداً أو جماعة أو مؤسسة.

2        جمع المعلومات والبيانات المتصلة بالحالة ليكون الباحث قادراً على فهمها ووضع الفروض اللازمة.

3        إثبات الفروض عن طريق جمع المعلومات والبيانات المختلفة

4        الوصول إلى النتائج.

حدود منهج دراسة الحالة:

            1.      عدم صدق البيانات التي يجمعها الباحث باستخدام هذا المنهج للأسباب الآتية:

a.      كثيراً ما يبتعد المبحوث عن ذكر الحقائق كما حدثت، فإما يقوم بتضخيمها أو إضافة حوادث جديدة، فيصعب على الباحث تحديد ما حدث منها وما لم يحدث.

b.      قد يتجه الباحث إلى الحقائق التي يريدها والتي تؤيد وجهة نظره مغفلاً الجوانب التي تناقض آراءه.

            2.      عدم التناسب بين العائد والمجهود المبذول خلال دراسة الحالة، حيث يبذل مستخدمو دراسة الحالة الكثير من الجهد والوقت والمال بدرجة تجعل العائد من البيانات مكلفاً مادياً ومرهقاً بدنياً، مستنزفاً للوقت، للحد الذي يجعل الاعتماد على هذا المنهج محل تردد من جانب كثيرٌ من الباحثين (حسن،١٩٩٨، ص٢٦٤).

            3.      يعد هذا المنهج مكلفا بالنسبة للباحث او لمشاركين من حيث الوقت والمال، كما أن الحالات نادرا ما تتكرر، وتختلف كل حالة عن الأخرى، وهذا ما يطرح مشكلة المصداقية الخارجية للمنهج، وصعوبة تعميم النتائج (عمار، 2019، ص140).

            4.      تعذر استخدام منهج دراسة الحالة مع الجماعات المختلفة ثقافياً، إذ أن النتائج التي يتوصل اليها الباحث نتيجة دراسة تلك الجماعات لا تمثل في الغلاب السلوك الشخصي وإنما تمثل اتجاهات الجماعة، كما أنها تمثل إجابات يسودها الشك مما يجعل الاعتماد عليها غير ذات قيمة (ابو المعاطي، 2014، ص194).

            5.      كما يؤخذ على دراسة الحالة حاجتها الى باحثين مدربين تريباً فنياً عالياً بحيث يتعذر استخدامها إلا إذا توفرت هذه الخبرة والتدريب (جلبي، 2012، ص218).

تحيز الباحث في بعض الأحيان عند تحليل وتفسير نتائج الظاهرة المدروسة الأمر الذي يجعل الباحث عنصراً غير محايد وبالتالي تبتعد النتائج عن الموضوعية (المحمودي، 2019، 59).

تعليقات

المشاركات الشائعة

تجارب دولية في التقويم التربوي

مقارنة بين المواثيق الأخلاقية للأخصائيين الاجتماعية الميثاق الاخلاقي الامريكي والميثاق الاخلاقي البحريني

المنهج التاريخي Historical Method

الخدمة الاجتماعية الاكلينيكية (الخطأ المهني - الوقت - اسلوب الحياة - التغيير والمقاومة - التعاقد والإنهاء)

منهج المسح الاجتماعي Social Survey Method:

المنهج التجريبي Experimental method:

منهج تحليل المضمون Content Analysis

ممارسة العمل الاجتماعي المباشر